كان الخوف يسيطر على المكان ... وهي الوحيدة التي تحاول جرى الابتسامة من قاع المشاعر ... الجميع يردد كلمات مبهمة خالية من إي تعبير ... الجميع من إخوتها يشعرون بالسخط والهزيمة في هذه الحياة ، ويحاولون السير في الطرقات البعيدة عن أعيون الناس ، يحملون على ظهورهم الذل والخجل ... أما هي قررت أن تعيش في النور وتواجه العالم وتستمر في العيش بأقل ما يمكن .
عادت إلى منزلها بعد رحلة عمل مملة ، وكالعادة فقد المنزل الفرح وكل العيون تهرب من بعضها .. دخلت مسرعة إلى غرفتها وهي تردد بصوت مسموع لابد أن افرح ولكن هل يحق لي ؟؟؟ تذكرت زميل العمل الذي يرغب في الارتباط بها وينتظر ردها .. ظلت تفكر لحظات هل تقبل الزواج بها ؟ وعادت بتفكيرها إلى سنوات عديدة حاولت أن تتناساها .. نظرت إلى ذلك الدرج الذي اقفل من سنين .. وبأنامل مرتعشة فتحت الدرج وأخرجت علبه مخملية حمراء ...وضعتها أمامها ... وظلت تنظر أليها طويلا وعيونها تملئها الدموع .. فتحت العلبة وأخرجت خاتم كانت ترتديه قبل عشرون عاما ... وبأصابع ترتعش أخرجت ورقه موجودة مع الخاتم أرسلت من خطيبها الذي أحبته حد الجنون .. قرأت أخر ما كتب لها ، وكان أقسى ما كتب في هذا العالم ( أنا لا استطيع الاستمرار معك لأني لا ارغب أن يكون لأبنائي خال متلي أرجو المعذرة على جرحك بكلماتي ) تذكرت ذلك اليوم الذي بكت فيه بشده ، وكيف نزلت هذه الفاجعة العظيمة على العائلة حين عرفوا ما يدور بين الناس ولا علم لهم بها ... بدأت في البكاء وهي ترمي بهستريا كل ما كان أمام أيديها حتى جرحت ... دخلت ولدتها وهي في حالة يرثى لها وكأنها أشلاء لجسد تناسته الحياة .. قالت لها ولدتها بعيون مجروحة : ما بك ؟
أجابت : هل كتب علينا هذا العار ؟ ـــ أدركت ولدتها سبب هذه الهستريا فخرجت وكأن الموت ينادي عليها ... وتركتها مع ذكريات أربعون عاما جلست على الأرض تحاول استعادة أنفاسها .. وهي تبعثر ما حولها في فوضى حتى أحزنت جدران غرفتها التي لازمتها الحزن .. عادت بظهرها إلى الوراء وجمعت جسدها بين يديها وكأنها تحاول إخفاء نفسها من الدنيا .. تذكرت جارتها التي لم تكمل التاسعة عشر وهي عروس منذ أيام قلائل ، وتذكرت قريباتها الأتي يصغرنها بالكثير وهن في أبهى صورة .. ومنهن من تحمل أطفالها وهي متوجه إلى بيت العائلة .. وتذكرت زميل العمل الذي يفكر في خطبتها وينتظر الرد ... وبصوت مبحوح هزيل قالت : أربعون عاما وأنا انتظر أشعة الشمس .. أربعون قمر مروا دون أن تتأملهم أعيوني ... كل السنين المنصرمة ذهبت .. أما العار ملتصق بنا كجزء من أجسادنا ... كم تبقى لي بعد أربعون عاما ؟؟ سوف أعيش دون أحلام ... أو انتظار ... بعد أربعون عاما لا يحق لي أن أفكر في الحياة بل كيف أحيا هذه الحياة .